إعادة تصور الأتمتة المؤسسية عبر منصات منخفضة التعليمات ومدعومة بالذكاء الاصطناعي

مكتب الأخبار -

تشهد المؤسسات تحولاً جذرياً في مسارها الرقمي من خلال اعتماد منصات منخفضة التعليمات البرمجية قائمة على الذكاء الاصطناعي، لتمكين سير عمل أكثر ذكاءً، وتسريع الابتكار، وتحقيق نمو مستدام.

فما القاسم المشترك بين بنك إماراتي بارز، وشركة في قطاع النفط والغاز، ودائرة حكومية تعمل على بناء مدينة ذكية؟ الجواب: التكنولوجيا. إذ تعتمد هذه الجهات على الأتمتة الروبوتية للعمليات (RPA)، والذكاء الاصطناعي (AI)، والبيانات الضخمة لتحقيق نمو أسرع وأكثر كفاءة.

وقد بات من الواضح لرواد الأعمال وصنّاع القرار في مختلف القطاعات أهمية تطوير تطبيقات مرنة وقابلة للتوسع. فبعد أن كانت تُعد تقنية متخصصة، أصبحت منصات البرمجة منخفضة التعليمات ركيزة أساسية في التحول الرقمي، لما توفره من إمكانية إنشاء تطبيقات مخصصة بسرعة أكبر وموارد أقل. وتشير بيانات شركة Fortune Business Insights إلى أن سوق البرمجة منخفضة التعليمات عالمياً مرشح للنمو من 37.39 مليار دولار في 2025 إلى 264.40 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 32.2%.

وتزداد أهمية هذا التحول مع تقاطع هذه المنصات مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، لاسيما الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، حيث يتيح دمج الذكاء الاصطناعي في هذه المنصات للشركات استغلال إمكانيات جديدة من السرعة والمرونة والذكاء، مما يحول أدوات التطوير البصري إلى محركات حقيقية للتحول المؤسسي.

وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى العديد من الدول إلى تحقيق رؤى طموحة في التحول الرقمي، تتزايد التحديات المتعلقة بنقص المهارات التقنية. فقد كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة Deloitte أن أكثر من 80% من المؤسسات في الشرق الأوسط تشعر بضغط متزايد لاعتماد الذكاء الاصطناعي، في حين أقرّ نحو نصفها بعدم امتلاك المهارات أو البنية التحتية اللازمة لذلك.

وتوفر منصات البرمجة منخفضة التعليمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي حلاً مثالياً لهذه التحديات، إذ تتيح للمؤسسات الناشئة والنامية تسريع الابتكار، وتمكين الفرق من إحداث تأثير مستدام على نطاق أوسع.

من الأتمتة إلى الاستقلالية

لم تعد هذه المنصات تقتصر على تبسيط تطوير التطبيقات، بل باتت تمكّن من إنشاء سير عمل ذكي ومستقل، قادر على اتخاذ قرارات روتينية دون تدخل بشري. فمثلاً، في شركة تأمين، يمكن لسير عمل معالجة المطالبات أن يوافق تلقائياً على المطالبات التي تقع ضمن حدود معينة باستخدام منصة منخفضة التعليمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بينما يتم تحويل الحالات غير الاعتيادية للمراجعة البشرية. هذا النوع من الأتمتة الشاملة يقلل من عبء العمل اليدوي ويُسرّع من وقت المعالجة.

ومع استخدام تقنيات الذكاء التوليدي، يمكن للمنصة تعديل قواعد العمل أو تحديث سير العمل في الوقت الفعلي بما يتناسب مع تغيّر الظروف. وقد ذكرت شركة IDC في تقرير أوائل 2025 أن أكثر من نصف تطبيقات البرمجيات المؤسسية الحالية تدمج مساعدات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وأن نحو 20% منها تتجه نحو وكلاء ذكيين مستقلين قادرين على اتخاذ قرارات مبنية على البيانات.

لكن الوصول إلى أتمتة حقيقية لا يتعلق فقط بقرارات ذكية، بل بتنسيق مثالي للعمليات. حيث تراقب منصات منخفضة التعليمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي العمليات بالكامل، وتطلق الإجراءات عند الحاجة، وتُحسن تدفق العمل، ما يلغي الحاجة للإدارة الدقيقة. وهذا يُمثل طريقاً واضحاً نحو “الأتمتة الفائقة” بالنسبة للمدراء التنفيذيين ومدراء العمليات، وهي أتمتة شاملة وعابرة للإدارات تستند إلى الحوكمة القوية وأطر الذكاء الاصطناعي الأخلاقية.

تنسيق الأعمال لرفع الأداء المؤسسي

توفر هذه المنصات حلولاً تتجاوز المهام الفردية لتتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي رسم خريطة شاملة لسلاسل القيمة، وتحسين نتائج الأعمال بدلاً من مجرد إنجاز المهام.

فعندما يصف المستخدم المتطلبات بلغة بسيطة، يمكن للذكاء الاصطناعي توليد نموذج أولي لسير العمل أو حتى بناء نسخة أولية كاملة. ويقوم الذكاء التوليدي بتحسين سير العمل بشكل مستمر بناءً على البيانات، واقتراح تحسينات أو توليد نماذج جديدة حسب تطور مؤشرات الأداء. الأمر الذي يُقلل بشكل كبير الفجوة بين النية والأداء الفعلي.

وفي منطقة الشرق الأوسط، بدأت المؤسسات فعلاً في تبني هذا التحول. إذ كشف تقرير صادر عن PwC في يناير 2025 أن 81% من الرؤساء التنفيذيين في السعودية قد قاموا بالفعل بدمج الذكاء التوليدي في مؤسساتهم. وتوفر منصات البرمجة منخفضة التعليمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وسيلة عملية لتحقيق هذه الطموحات على أرض الواقع، من خلال تحويل الأهداف الكبرى إلى سير عمل ذكي يربط بين الأنظمة والأقسام وأصحاب المصلحة.

إطلاق القدرات الإدراكية في التطبيقات المؤسسية

تعزز تقنيات الذكاء الاصطناعي من قدرات هذه المنصات من خلال تمكين التطبيقات من الإدراك والفهم والاستجابة بطريقة أقرب للبشر. من معالجة اللغة الطبيعية (NLP) والتعرف على الصور، إلى تحليل المستندات والتحويل الصوتي للنصوص، بات بالإمكان دمج هذه القدرات بسهولة في التطبيقات دون الحاجة لكتابة كود برمجي.

فعلى سبيل المثال، يمكن لموظف في أحد البنوك بناء تطبيق خاص بتسجيل العملاء باستخدام موصلات الذكاء الاصطناعي المدمجة في المنصة، لاستخلاص البيانات من الوثائق وتحقيقها والتفاعل مع العميل لإكمال النواقص، وذلك عبر واجهة محادثة ذكية. وهذا يلغي الحاجة لخبراء ذكاء اصطناعي، ويفتح المجال أمام مستخدمين من غير التقنيين لبناء تطبيقات فعالة.

وتزداد أهمية هذا التوجه في منطقة متعددة اللغات كالشرق الأوسط، حيث تسهم نماذج الذكاء التوليدي المدربة بلغات متعددة في بناء تطبيقات تفهم النصوص العربية واللهجات المحلية بجانب اللغة الإنجليزية، مما يُسهّل تحليل المشاعر على وسائل التواصل الاجتماعي وتقديم خدمات عملاء بلغات متعددة.

الذكاء التوليدي يُعيد تعريف تطوير التطبيقات

ربما يكون التحول الأكبر هو الانتقال من واجهات السحب والإفلات التقليدية إلى تطوير التطبيقات باستخدام واجهات محادثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

فبدلاً من بناء كل مكون يدوياً، يمكن للمستخدم وصف التطبيق المطلوب بلغة بسيطة، ويقوم الذكاء الاصطناعي بإنشاء المكونات اللازمة. على سبيل المثال، يمكن لمدير منتج أن يقول:

“أنشئ تطبيقاً لتقييم رضا العملاء يحتوي على نموذج للتقييم والتعليقات، واحتفظ بالبيانات في قاعدة بيانات، وأرسل تنبيهاً للمدير إذا كانت التقييمات أقل من 3.”

وسيتولى محرك الذكاء التوليدي تحويل هذه التعليمات إلى نموذج بيانات وواجهة مستخدم وتكامل خلفي خلال دقائق فقط. وهذا يعد بمثابة تغيير جذري لرؤساء التقنية (CTOs)، إذ يُمكن زيادة الإنتاجية البرمجية دون الحاجة إلى توسيع الفريق، وهو أمر بالغ الأهمية في المنطقة التي تعاني من نقص في الكفاءات التقنية.

دعم طموحات التحول الرقمي في الشرق الأوسط

تشهد منطقة الشرق الأوسط مرحلة حاسمة، حيث تدفع المبادرات الحكومية والقطاع الخاص، مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، أجندات طموحة للتحول الرقمي بهدف تنويع الاقتصادات وتحسين الخدمات.

ومع ذلك، تُشكّل وتيرة الابتكار السريعة ونقص المواهب تحدياً كبيراً أمام التنفيذ. وتُعد منصات منخفضة التعليمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي حلاً واعداً لتجاوز هذه التحديات، حيث تمكّن المؤسسات من تطوير حلول رقمية متقدمة بفِرَق أصغر، دون المساومة على السرعة أو الجودة.

ومع تسارع المنطقة نحو مستقبل تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن المؤسسات التي تعتمد هذه المنصات ستكون في طليعة الريادة، عبر بناء أنظمة ذكية ومستقلة تفتح آفاقاً جديدة وتدعم النمو المستدام.

بقلم: فارون غوسوامي – رئيس إدارة المنتجات، نيوجن سوفتوير

Share