المرأة الوحيدة في الغرفة، ولكنها الحضور الأقوى: جمانة كرم

مكتب الأخبار -

جمانة كرم: سيدة تسويق الشرق الأوسط وأفريقيا تقود مسيرة الابتكار في “أيسر”

في مشهد لا زالت فيه المرأة الوحيدة في الغرفة، تبرز جمانة كرم، رئيسة قسم التسويق لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ومديرة تطوير الأعمال الجديدة لدى شركة “أيسر”، كرمز للقوة والدفء والتواضع. نشأت كرم في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية، حيث كان التعليم الملاذ الوحيد لها ووسيلتها لصنع مستقبل يتجاوز واقع الدمار من حولها. ومن خلال إرادة لا تلين وثقة راسخة بقدراتها، شقت طريقها في عالم التكنولوجيا الذكوري، مؤكدة أن الموهبة والمثابرة لا تعرفان جنسًا.

طفولة صاغها الصمود

ولدت جمانة ونشأت في قلب الحرب اللبنانية؛ فقد كانت ذكرياتها الأولى مطبوعة بأصوات القنابل وصدى الصراع. ورغم ذلك، وجدت في المدرسة ملاذًا وبيئة للتفوق، وسعت دوماً لأن تكون من الأوائل رغم كونها الأصغر سناً. غرست والدتها، المحبة للقراءة، فيها عشق الكتب التي أصبحت أثمن الهدايا في منزلهم. وتقول جمانة: “كوني لبنانية، تعلمت منذ الصغر التحدث بعدة لغات، وكانت هذه المرونة اللغوية لاحقًا من أهم أدوات نجاحي المهني”.

ورغم أن العديد من الفتيات واجهن عوائق تعليمية آنذاك، نشأت جمانة في عائلة تؤمن بحق التعليم للجميع. وبينما كانت القذائف تنهمر خارج الجدران، كانت تدرس على ضوء الشموع في الملاجئ؛ فكان التعليم لديها ليس وسيلة للهروب فحسب، بل أملًا نحو مستقبل أفضل.

هندسة المستقبل

قادها شغفها بالرياضيات والعلوم إلى دراسة الهندسة في الجامعة اللبنانية العريقة، متأثرة بعمتها وخالها اللذين يعملان في نفس المجال. ومن بين مئات المتقدمين، تم قبول 100 متقدم فقط، وكانت جمانة من بين العشرة الأوائل. ورغم كونها من بين القلة القليلة من النساء في هذا المجال، لم يمنعها شعور العزلة من المضي قدمًا. تابعت دراستها لتحصل على درجة مزدوجة في الكهرباء والهندسة الكهربائية، وكانت في الوقت ذاته تضع عينها على قطاع التكنولوجيا المتسارع. وتقول: “في سنتي الأخيرة، كنت على يقين أن تكنولوجيا المعلومات هي المستقبل، وأردت أن أكون جزءًا من هذا التغيير”.

اقتحام عالم التقنية: سيدة واحدة بين الرجال

بعد شهر واحد فقط من تقديم مشروع تخرجها، بدأت جمانة مسيرتها المهنية؛ وكانت كالعادة المرأة الوحيدة في المكان. “في البداية، قوبلت بالريبة والتشكيك، وكان عملي يخضع لتدقيق أكثر من زملائي الرجال، لكنني قررت أن أترك إنجازاتي تتحدث عني”، تقول. وبعد عام أول مليء بالتحديات، التحقت بقسم تقني في تكنولوجيا المعلومات، لتكون مجدداً المرأة الوحيدة، ولكن هذه المرة برؤية واضحة للنمو. وعلى مر السنين، عايشت تحولات جذرية في هذا القطاع؛ من أجهزة الحاسوب الضخمة إلى الحواسيب المحمولة المتطورة، ومن ظهور الإنترنت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والآن عصر الذكاء الاصطناعي.

تحديات وانتكاسات وعقلية النمو

لم تكن الرحلة سهلة؛ فقد واجهت جمانة الكثير من التحديات في بيئة يسودها الطابع الذكوري. ففي بعض الأحيان، لم يُسمَع صوتها، أو وُصفت بأنها “عدوانية”، أو تعرضت للنقد السلبي. لكنها لم تستسلم أبداً. وتروي: “عندما لم يُستمع إلى صوتي، تركت النتائج تتحدث. وعندما شُكّك في قراراتي، دعمتها بالبيانات والتحليل. وعندما واجهت سلبيةً، رددت بالإيجابية والسعي لإيجاد حلول”.

إن مسيرتها المهنية دليل على مرونتها؛ فقد انتقلت من فنية في تكنولوجيا المعلومات إلى مندوبة مركز الاتصال، ثم إلى الإدارة التقنية، وصولاً إلى قيادة المبيعات والتسويق. تقلدت مناصب قيادية في لبنان والإمارات، ولا تزال حتى اليوم واحدة من النساء القليلات في مجالها.

قيادة استراتيجية ومبتكرة في “أيسر”

تشغل جمانة كرم حاليًا منصبًا مزدوجًا في “أيسر”، حيث تقود استراتيجيات التسويق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتدفع بتطوير الأعمال الجديدة. بصفتها رئيسة التسويق، تشرف على الحملات الرقمية والتجزئة، والتواصل مع المؤثرين، والمبادرات الإعلامية، كما تسهم في تحديد موقع المنتجات وسرد قصة العلامة التجارية، لضمان وصول ابتكارات “أيسر” إلى الجمهور المناسب.

وفي مجال تطوير الأعمال، تقود توسع “أيسر” في قطاعات غير الحواسيب، مثل حلول التنقل الكهربائي وأجهزة الاتصال وحلول الطاقة. ومنذ انضمامها إلى الشركة عام 2006، حققت جمانة العديد من الإنجازات وساهمت في كسر الحواجز. لكن بالنسبة لها، لا يُقاس النجاح بالأرقام فقط، بل بالأثر الإنساني.

وتختم بالقول: “أكبر مكافأة لي هي رؤية فريقي ينمو؛ فرحة الإنجاز في عيونهم، سواء كان التحدي صغيرًا أو كبيرًا، هي ما يدفعني للاستمرار”.

رسالة إلى النساء العاملات في مجال التكنولوجيا

بالنسبة للنساء اللاتي يطمحن إلى دخول مجال التكنولوجيا أو النمو فيه، لدى جومانا رسالة واضحة:

“التكنولوجيا مجال دائم التطور، والتحديات التي تواجهها المرأة هنا لا تختلف عن أي مجال آخر. سيكون هناك مدراء جيدون وآخرون سيئون، وفرص ونكسات. المفتاح هو الاستماع والتعلم والتكيف، والأهم من ذلك – ثقي بصوتك. لا تدع الشك الذاتي يعيقك أبدًا. شجّعي الشابات على تبني STEAM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات). وعندما تدخلين غرفة، ارفعي صوتك. فأنتِ تنتمين إليها.”

لا تقتصر رحلة جمانة كرم على كسر الحواجز فحسب، بل على إعادة تعريفها. فمن طفولتها التي اتسمت بالحرب إلى مسيرتها المهنية في طليعة التحول التكنولوجي، تواصل إلهام الجيل القادم من النساء في مجال التكنولوجيا، لتثبت أن المرونة والطموح والسعي الدؤوب وراء المعرفة يمكن أن يمهد الطريق إلى النجاح.رسالة إلى النساء في مجال التكنولوجيا

للنساء الطامحات إلى دخول أو تطوير مسيرتهن في مجال التكنولوجيا، تُوجه جمانة رسالة واضحة:

“التكنولوجيا مجال متغير باستمرار، والتحديات التي تواجهها النساء فيه لا تختلف عن تلك الموجودة في مجالات أخرى. سيكون هناك مديرون جيّدون وآخرون سيئون، وستواجهين فرصًا كما ستواجهين عقبات. المفتاح هو الاستماع، والتعلّم، والتأقلم، والأهم: الثقة بالنفس. لا تدعي الشك يعوقك. شجعي الفتيات على دخول مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والفنون، والرياضيات (STEAM). وعندما تدخلين غرفة ما – تكلّمي. فأنتِ تنتمين إليها”.

قصة جمانة كرم ليست فقط عن كسر الحواجز، بل عن إعادة تعريفها. من طفولة في زمن الحرب إلى ريادة الابتكار في عالم التكنولوجيا، تواصل جمانة إلهام النساء حول العالم، مؤكدةً أن الإصرار، والعلم، والطموح هي مفاتيح النجاح الحقيقي.

Share