يتوقّع خبراء التكنولوجيا أن يتفوّق الذكاء الاصطناعي الوكيلي (Agentic AI) على الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) من حيث معدّلات النمو خلال السنوات المقبلة، ما يستدعي من المؤسّسات تبنّي ثلاث ركائز معمارية رئيسة لضمان النجاح والبقاء في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، بات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزّأ من الحياة اليومية، سواء على المستوى الفردي أو المهني. وتُظهر الشركات الأكثر نجاحًا في هذا المجال اتّجاهًا متسقًا نحو تبنّي الذكاء الاصطناعي بشكل شامل، بحيث يتحوّل إلى جزء من ثقافة المؤسسة ويعزّز وعي الموظّفين بمهارات الذكاء الاصطناعي. وتشير التقديرات إلى أنّ السوق الإماراتية للذكاء الاصطناعي تُقدَّر بمليارات الدولارات، حيث يُتوقّع أن يحقّق الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده نحو 383 مليون دولار أمريكي في عام 2025، وأكثر من 2.5 مليار دولار في عام 2031، بمعدّل نمو سنوي مركّب يُقارب 37%.
لكن الذكاء الاصطناعي لم يَعُد كما كان؛ فمع تنامي وعي المؤسّسات بقيود GenAI، بدأ صُنّاع القرار يتّجهون نحو نماذج جديدة أكثر مرونة، أبرزها الذكاء الاصطناعي الوكيلي الذي يعتمد على وكلاء ذوي استقلالية معيارية. وقد بلغت قيمة هذا السوق في الإمارات نحو 34 مليون دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقّع أن تتجاوز 352 مليون دولار بحلول عام 2030، بمعدّل نمو سنوي مركّب يُقارب 48%، أي بمعدّلات تفوق GenAI.
مع ذلك، فإن اقتناء تقنيات الذكاء الاصطناعي الوكيلي لا يعني بالضرورة تحقيق النجاح، بل يجب أن تُبنى المنظومات وفق ثلاث ركائز أساسية:
1. مرنة
في ظلّ تسارع وتيرة التطوّر، تجد أنظمة تكنولوجيا المعلومات التقليدية صعوبة في مجاراة الذكاء الاصطناعي. ولتسهيل التبنّي، ينبغي أن تضمن المؤسّسات أن الأطر التحتية قادرة على دعم نماذج قابلة للتوصيل والتشغيل (Plug-and-Play). ويُعَدّ التصميم المعماري القائم على وحدات مستقلة أمرًا حاسمًا، لا سيما مع تواتر التحديثات لنماذج GPT الحديثة.
ويُنصَح بتقسيم البنية إلى أربع طبقات: طبقة النماذج التوليدية، طبقة التغذية الراجعة، طبقة النشر، وطبقة المراقبة.
2. مطابقة النماذج مع الوظائف
يُعدّ اعتماد الذكاء الاصطناعي لمجرّد مواكبة الصيحات خطأً شائعًا. يجب أن تركّز فرق العمل على معالجة التحدّيات الفعلية، سواء كانت تحسين الكفاءة، أو تطوير منتجات أو خدمات جديدة. وعلى فرق المشتريات أن تتعاون مع الأطراف المستفيدة لضمان وضوح معايير النجاح وتحديد المخاطر.
فعلى سبيل المثال، قد تُحسّن المساعدات الافتراضية المدعومة بـ GenAI أداء فرق المبيعات وخدمة العملاء، لكنها قد تعرّض البيانات الحساسة للخطر إذا لم تُدار بشكل صحيح. وهنا تبرز أهمية مؤشّرات مثل “درجة الصحة” و”B-score” لتقييم فعالية النماذج.
3. مدعومة بحوكمة قوية
يُمثّل غياب الحوكمة أحد أكبر التحدّيات أمام الذكاء الاصطناعي. فبينما تتسارع ميزانيات الذكاء الاصطناعي بمعدّلات تفوق ميزانيات تقنية المعلومات، يجب أن تلتزم عمليات التبنّي بالضوابط الأمنية والمتطلّبات القانونية والقيود المالية.
وتشمل الحوكمة عناصر الأمن، مثل تصفية المحتوى لحماية سمعة العلامة التجارية، وكذلك أدوات مالية لمراقبة التكاليف حسب المشروع والمستخدم. وتكمن أهمية الحوكمة في أنّ العديد من المنصّات الحديثة تتضمّنها كعنصر أساسي إلى جانب بناء النماذج.
ومنذ بدايات الذكاء الاصطناعي، دعا قادة الصناعة إلى “الذكاء الاصطناعي المسؤول” الذي يُظهر طريقة عمل النماذج بشفافية. فالحوكمة تُعزّز الثقة، سواء لدى العملاء من خلال الأمان، أو لدى التنفيذيين من خلال الفعالية من حيث التكلفة.
الطريق نحو ذكاء اصطناعي شامل
يمكننا الوصول إلى مستقبل مثالي للذكاء الاصطناعي، ولكن فقط من خلال التطبيق الدقيق والمبني على قواعد متينة من الأمن والكفاءة المالية. ومع أنّ الذكاء الاصطناعي الوكيلي يُعَدّ حديث الساعة، إلا أنّ نجاحه الحقيقي يتطلّب استراتيجية تبنٍّ واعية.
بقلم: سيد باتيا، نائب الرئيس والمدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا – شركة Dataiku